وصل بنا فيض تفسير شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين الدكتور أحمد الطيب إلى أسم الله تعالى "الكريم" وهو منصوص عليه بالقرآن الكريم، وورد في أكثر من سورة.. في سورة المؤمنون ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾.. وفي سورة النمل ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾.. وسورة الانفطار ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم﴾.. ونص عليه بالقرآن الكريم بالأكرم مرة واحة بسورة العلق ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾.
كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا".. والسفساف يعني الأمر الحقير الرديء وهو ضد مكارم الأخلاق.. وفي دعاء للرسول صلى الله عليه وسلم "لا إله إلا الله الكريم الحليم، لا إله إلا رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم".
** "الكريم" اسم يحمل 16 معنى
كما أجمع علماء المسلمين على أن "الكريم" أسمٌ من أسماء الله الحسنى وله أكثر من معنى، وفي ذلك السياق أوضح شيخ الأزهر أن القاضي أبن أبي بكر العربي أحصى 16 معنى لأسم الكريم، منها: سريع العطاء، دائم البدء، صاحب القدر العظيم، المنزه عن النقائص، يعطي بدون غرض، يعطي ويثني على المعطي، يعطي بلا مقابل ولا انتظار..
ولفت الدكتور الطيب إلى أن كريم في اللغة العربية تحمل معنى مُكرم، وكريم تأتي من الكرم أي العطاء.. والله سبحانه وتعالى كريم العطاء، يعطي بدون انتظار مقابل وهي صفة من صفات الذات الإلهية.. فضلاً عن أن اسم "الكريم" يحمل صفات الجلال والأفعال.
وذهب شيخ الأزهر إلى أن الإنسان يطلق عليه أسم كريم، ولكنه ناقص لأن الكمال لله وحده، ويتصف الإنسان بالكرم لكنه كرم متكلف لأنه عطاءه ضد غرائزه، وهو بطبيعته غير كريم، فهو لا يعطي طوال الوقت، يعطي في بعض الأوقات وأوقات أخرى لا يعطي، لأن عطاءه محفوف بالشيطان والغرائز، وبالتالي الإنسان كرمه متكلف.. أما الله تعالى عطاؤه طوال الوقت ومنزه عن النواقص.
وحذر الأمام الطيب من حساب الله وهو ماورد ذكره بالقرآن الكريم بسورة الانفطار ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم﴾.. أي لا يغرك كثيراً ذلك الكرم لأنه الحسيب والرقيب.
** الله يستحي من عباده
الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين".. وفي سياق الحديث وضح الأمام الطيب أن الله سبحانه وتعالى وضع شروطا للاستجابة وقبول الدعاء، موضحاً أن هناك دعاء مرفوض وأخر مقبول.. مبيناً أسباب رفض الدعاء ومنها: أكل الحرام الذي نهى عنه الله ورسوله، مؤكدا ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا".. وقوله تعالى في سورة البقرة "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم".
ونبه شيخ الأزهر إلى أن قبول الدعاء لا يعني تحقيقه قد يؤجل لصالح الداعي ليبلغ مرتبة أعلى مما سأل، أو يؤخر لمنازل عليا بالجنة.. وأن كرم الله ليس بإجابة الدعاء، فمن كرمه الحسنات، حيث الحسنة بعشر أمثالها، لافتا لقول الأمام الغزالي: "الكريم" هو الذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، وإن رُفِعَت حاجةٌ إلى غيره لا يرضى، وإذا جُفِيَ عاتب وما استقصى، ولا يضيع من لاذ به والتجأ، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتكلُّف، فهو الكريم المطلق وذلك لله سبحانه وتعالى فقط".
ومن كرم الله أنه ميز الإنسان فأكرمه بالعقل، والسير على قدمين، يمشي منتصب القامة، يستعمل يديه في المأكل والمشرب، وسخر له شيء.. ومن مكارم الله على الإنسان أنه منذ تكوينه جنينت في بطن أمه حتى سن الـ 13 عاما لا يكلف بأي شيء ومعفي من الحساب.
** "الرقيب".. هو العلم والحفظ والاطلاع
ولأسماء الله الحسني فوائد وفضائل عظيمة فهي تعرفنا بالله عز وجل، وسؤاله ودعائه بها، وتعميق حبه سبحانه والأدب معه، وإصلاح القلوب، وتزكية النفوس، ودخول الجنة، كما تحمل أسماء الله الحسنى معاني ونظرة فلسفية، في بحر أسماء الله الحسنى يأخذنا شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في رحلة مع اسم الله تعالى "الرقيب".
والرقيب اسم من أسماء الله الثابتة بالقرآن، فقد ذكر ثلاث مرات، في قول الله تعالى بسورة النساء (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) وقوله سبحانه بسورة الأحزاب (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) وقوله عز وجل في سورة المائدة (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد)
والرقيب تعني الحافظ الذي لا يَغيبُ عنه شيء، والملاحظ والمراقب وذلك ما ذكر في القرآن (لديه رقيب عتيد) كما أن الرقيب تعني العلم والحفظ، وفي ذلك السياق يقول شيخ الأزهر: إن الله يعلم ويرى ويحفظ، يرى الأفعال ويعلم الأقوال.. عنده مفاتيح الغيب ولا تسقط ورقة إلا يعلمها، ويعلم ما يلج بالأرض ويخرج منها.. الله يعلم المعدومات ولذلك فالعلم الإلهي أوسع وهو مُطلق وأوسع.
الله عز وجل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو سبحانه المطلع على خلقه، يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
ودعانا شيخ الأزهر إلى ضرورة انعكاس اسم الله تعالى "الرقيب" على أنفسنا لأن الله معنا في كل وقت يرانا ويسمعنا.. لذلك على الإنسان ان يراقب نفسه في أعماله ووساوس الشيطان ونفسه التي هي أمارة بالسوء.. ووجه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إلى الحذر من النفس فهي العدو الأول للإنسان بعد أعدائه.
** الرقابة.. إحسان تبارك سعة الرزق
من صفات الرقيب الإحسان الذي يعني أن تعبد الله وكأنك تراه.. تعبده لأنه يراك.. وهنا يذكر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل في صورة شخص وسأله عن الإسلام فأجابه النبي ثم سأله عن الإيمان فأجابه صلى الله عليه وسلم، وسأله عن الإحسان فقال له: " الإحسان أن تعبد ربك وكأنك تراه"..
وقال شيخ الأزهر إن مشاهدة الله القلبية تعود بالبركة على الإنسان في سعة الرزق، وأن الإحسان يتغير من شيء إلى شيء، والإحسان يضاف إلى صفة من صفات الرقيب.. ويروي الإمام الطيب قصة للإمام فخر الدين الرازي ذكر فيها أن شيخاً كان يميز أحد تلاميذه في كل شيء، مما أدى لاستياء باقي التلاميذ، وسأله تلاميذه عن السبب فطلب منهم أن يذبح كل منهم طائراً دون أن يراه أحد، ففعل التلاميذ إلا ذلك التلميذ فسأله شيخه لماذا لم ينفذ ما كلفه به، فرد التلميذ بأنه لم يجد مكانا لا يراه الله فيه.
-------------------------
كتب ـ محمد الضبع